اهمية التقارب السعودي الايراني و وقف الحرب في اليمن
بقلم /حسن زيد بن عقيل
على مدى العقود الأربعة الماضية ، لامس الصراع السعودي الإيراني من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط جميع القضايا الإقليمية تقريبًا وأدى ذلك إلى تأجيج الحروب في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك ، كان الصراع بين إسرائيل وفلسطين في قلب الصراعات التي لا تستطيع القوى الإقليمية والولايات المتحدة التغلب عليها أو القضاء عليها. صراع مختلف عن كل الصراعات الأخرى في المنطقة: صراع أيديولوجي وسياسي ووجودي لجميع شعوب المنطقة ، العرب في فلسطين ، دروز الجولان ، أكراد العراق ، الفرس في إيران .
الصراع السعودي الإيراني ، صراع له جذوره التاريخية والأيديولوجية وكذلك على القيادة الروحية في المنطقة. عند دراسة جوهر الصراع نلاحظ الدور القذر والمؤثر لأمريكا وإسرائيل في سلوك البلدين – السعودية وإيران على الساحة الدولية وفي المنطقة. رسمت إدارة بايدن سياسة مختلفة في الشرق الأوسط عن سابقتها ، حيث اعتمدت تدابير دبلوماسية لتهدئة النزاعات المختلفة في المنطقة. درس مستشارو بايدن كيف تتقاطع مصالح أمريكا مع القضايا الإقليمية ، وما هي الموارد المتاحة للولايات المتحدة ، وما هي التكاليف لمتابعة هذه السياسة أو تلك. ووجدوا أن بايدن كان لديه استراتيجية للشرق الأوسط يمكن وصفها بالصهيونية “البراغماتية و عديمة الرحمة “. ربما تكون البراجماتية ” البايدنية ” أكثر وضوحا في سياساته تجاه سوريا واليمن. خلال الانتخابات ، هاجم بايدن الرئيس دونالد ترامب لفشله في فهم البيئة الجيوسياسية للمنطقة ، مما يشير إلى أن سحب القوات الأمريكية من سوريا ستفيد إيران وروسيا. وأن الإسرائيليين سيعتمدون على الروس من أجل أمنهم . أما بالنسبة لليمن ، فقد لعبت أمريكا على مدى عقود دورًا كبيرًا في العلاقات السعودية الإيرانية – أولاً كراعٍ رئيسي للنظامين ، ثم كراعٍ رئيسي لأحدهما – السعودية – والخصم الأساسي للاخر – إيران.
في عام 2011 ، ظهرت حركة الشيخ نمر الشيعية في البحرين و السعودية. وسرعان ما قُبض عليه ولم ينف أمام المحكمة التهم السياسية المنسوبة إليه ، لكنه شدد على أنه لم ينادي بالعنف أبدًا. لكن قمع حركة الشيخ نمر من قبل السعودية كانت رسالة واضحة لإيران ، بمعنى أنه لن يسمح النظام للتيار الإسلامي الإيراني بالانتشار ، ليس فقط في السعودية ، ولكن أيضًا في داخل العالم العربي ، بما في ذلك اليمن. ولهذا جاء العدوان السعودي على الشيعة الزيدية في اليمن (الحوثي). و أكدت الخارجية الأمريكية ان إعدام الشيخ النمر و 47 شخصا في السعودية ، قد يؤدي إلى تصعيد التوتر الطائفي في المنطقة. وقالت فيديريكا موغيريني ، الممثلة السامية للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي ، في ذلك الوقت إن ” قضية النمر على وجه الخصوص ستعمل على تأجيج التوترات الطائفية ، سوف تسبب أضرار جسيمة للمنطقة “. صعدت السعودية مغامراتها الإقليمية ، من الحرب الأهلية في سوريا إلى الحرب في اليمن ، ما يعني صراعات بالوكالة مع إيران. كادت هذه المقاربة أن تدفع دول المنطقة إلى حافة الحرب في يناير 2020 ، وتداعياتها مقلقة لدول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة ككل ، حرب بين الولايات المتحدة وإيران.
البعد الايراني في سياسة الولايات المتحدة الامريكية
إن المحور الإيراني في السياسة الأمريكية ، لكل الإدارات المتعاقبة ، إنها مبنية على قدرات ومكونات القوة العالمية التي تمتلكها إيران ، ومكانتها ودورها المهم والمؤثر ، سواء كان إيجابياً أو سلبياً في كثير من القضايا الاقليمية . إيران مؤهلة للاسهام بشكل إيجابي أو سلبي في المصالح الأمريكية ، سواء في الشرق الأوسط أو الخليج الفارسي أو آسيا الوسطى. وهذا يعتمد على نوع العلاقة حينها بين الجانبين: تمتلك إيران مكونات عسكرية وجغرافية واقتصادية وبشرية تؤهلها لتكون قوة إقليمية مؤثرة في المستقبل ، ويعزز ذلك سعيها لامتلاك قدرات نووية سلمية وربما أسلحة نووية في المستقبل.
على الرغم من الضجيج في واشنطن حول “الخطة ب” ، لا يمكن تفعيلها ضد إيران إذا فشلت محادثات فيينا أو اتخاذ أي إجراءات ، بما في ذلك: تشديد العقوبات الاقتصادية ، والضغط الدبلوماسي ، التخريب أو الهجمات العسكرية. أخيرًا الأحداث في أوكرانيا قلبت الطاولة على الأمريكيين وحلفائهم . يبقى الحل الدبلوماسي هو أفضل طريقة للتفاوض في فيينا و الوحيدة القابلة للتطبيق للتوصل إلى حل دائم للمسألة النووية الإيرانية. من المستبعد أن تُجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بالسرعة الكافية لمنع إيران من أن تصبح دولة على العتبة النووية طالما أنها مدعومة من الصين وروسيا ، خاصة أن الأحداث في أوكرانيا قد خلطت الأوراق.
فشل السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية
أضعفت أحداث 2010 والربيع العربي دولًا مهمة في المنطقة مثل العراق ومصر وسوريا واليمن وأبعدتها عن معادلة القوى الإقليمية. وقد أدى ذلك إلى تحول جوهري في ميزان القوى الإقليمي : أولاً ، تعزيز اذرع الدول غير العربية مثل تركيا وإيران في سياسات الشرق الأوسط والعرب. ثانيًا: الفراغ الذي خلفته هذه الدول المهمة ساعد السعودية والإمارات على الخروج بسياسات طموحة لتوسيع نفوذهما الإقليمي ومحاولة تقليص نفوذ الدول غير العربية. وكانت النتيجة التدخل العسكري السعودي في البحرين ، ودعم الانقلاب في مصر عام 2013 ، والتدخل العسكري في اليمن 2015 . و كذا أجبر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة ، ودعم انقلاب الجنرال خليفة حفتر في ليبيا ، فرض حصار على قطر ، وتشكيل كتلة معارضة موالية للسعودية في سوريا ، وإعلان سياسة التطبيع مع كيان الفصل العنصري الإسرائيلي.
لكن رغم كل الجهود الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي بذلها السعوديون والإماراتيون ، فإن هذه السياسات الطموحة لم تساعدهم في تحقيق أهدافهم ومصالحهم وفشلت في إيجاد توازن مع إيران وتركيا. السعودية والإمارات عملاقان اقتصاديان ، لكنهما يفتقران إلى الرؤية المدنية ويفقدان للقدرات العسكرية الوطنية ويعتمدان على المرتزقة ، لذلك لا فرصة للسعوديين أو الإماراتيين لحل أي أزمة في المنطقة.
سياسة الولايات المتحدة بشأن اليمن
للمصداقية و الدقة ، دعونا نلخص ما حدث في الجلسة الأولى للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الـ 117 ، في 21 أبريل 2021 ، والتي حددت سياسة الولايات المتحدة بشأن اليمن . قال الرئيس بايدن : “هذه الحرب يجب أن تنتهي”. هذا ما قاله مورفي (وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ، والمسؤول عن الإشراف على أنظمة المساعدات الخارجية للولايات المتحدة ، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والتدريب العسكري للحلفاء ، وخاصة في الشرق الأوسط) ، يواصل مورفي : الحرب في اليمن ليس أكثر من ” كارثة إنسانية واستراتيجية “. قال إنه في ذلك الوقت ، 2015 ، قلة قليلة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يعرفون أي شيء عن الحرب الأهلية في اليمن . الآن عين الرئيس بايدن تيم ليندركينغ كمبعوث خاص لقيادة جهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء هذه الحرب. كان تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات هو الخطوة الصحيحة. سجلات هذين البلدين ليست جيدة . من جهة أخرى ، أشار مورفي إلى أن ” الإمارات انتهكت القانون الدولي في ليبيا واليمن ، وعلى الرغم من أنهما حليفان لنا (الولايات المتحدة) ، فمن المحتم (الاعتراف) أن لديهم تاريخًا في نقل الأسلحة الأمريكية إلى الميليشيات المتطرفة ” . و قال مورفي إن هناك اتفاقًا من الحزبين في مجلس الشيوخ على أن سياسة إدارة ترامب تجاه السعودية قد أخطأت. الحرب في اليمن كارثة على الأمن القومي للولايات المتحدة وكارثة إنسانية للشعب اليمني. يواصل مورفي تقييمه للسعودية والإمارات بالقول: الشريكان أساءا استخدام الأسلحة في الماضي ويمكن استخدامها بشكل عدواني في المستقبل. تشير التقارير إلى أن الإمارات نقلت بالفعل أسلحة بشكل غير قانوني إلى الميليشيات السلفية في اليمن. لكن الأمور تتغير بسرعة في الشرق الأوسط ، ولنكن صادقين ، لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين ما الذي ستفعله دول الشرق الأوسط بالأسلحة التي قمنا ببيعها لها . كما يقول ، هذا هو السبب في أننا لم نبيع أبدًا طائرات F-35 أو طائرات بدون طيار مسلحة لأي دولة اخرى غير إسرائيل في المنطقة. ولكن إذا تمكنا من إقناع الأطراف المتحاربة في اليمن بالموافقة على اتفاق سلام مع داعميهم السعوديين والإيرانيين ، فقد يوفر ذلك الأساس لهيكل أمني إقليمي جديد في الخليج.
في رأيي (مورفي) ، سيكون من الأفضل للجميع تحقيق انفراج بين هذين البلدين بدلاً من الاستمرار في دائرة لا تنتهي من العنف بالوكالة. لذا في المقام الأول ، نحن بحاجة إلى أولاً : ان يتقدم المانحون للأمام ويقدمون التمويل اللازم لتلبية طلب الأمم المتحدة لهذا العام. ثانياً: يجب إنهاء الحصار لتخفيف معاناة الشعب اليمني. لا يوجد مبرر لرفض استيراد الوقود المنقذ للحياة ، وعلى السعوديين رفع هذا الحصار وعلى الحكومة اليمنية إصدار تصاريح للسماح بمرور البضائع.
وطرح مورفي عدة أسئلة أمام إدارة بايدن مطالبا بإجابة واضحة وهي: كيف تنتهي المعارك؟ كيف يمكنها تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة للشعب اليمني؟ كيف يمكنهم ضمان عدم احتواء التنظيمات المتطرفة في المنطقة للبؤساء ؟ كيف يمكننا المساعدة في وضع اليمن على مسار إيجابي ومستدام على المدى الطويل؟ تدرس إدارة بايدن الإجابة على هذه الأسئلة الملحة مع الفهم الصحيح لاستخدام مواردها بحكمة ، و تتعلم من أخطاء الماضي (المجاهدون الأفغان) وألق نظرة واضحة على خياراتها الدبلوماسية. أن إنهاء القتال في اليمن بشكل سريع ومستدام أمر ضروري لأمن المنطقة وأمن المصالح الأمريكية.
كانت الوعود الطيبة التي قطعها بايدن خلال حملته الانتخابية ، كذب ، فهي لم تغير شيئًا في سياسة أمريكا المتماسكة تجاه الشرق الأوسط واليمن على وجه الخصوص.
الخلاصة
علاقات إيران مع الحوثيين حديثة جدًا وهي نتيجة مباشرة للغزو السعودي لليمن. قبل عام 2010 ، لم يشر السعوديون إلى جماعة الحوثي على أنها شيعية. الحوثيون ، لديهم مظالم وبرامج فريدة من نوعها ، على عكس الشركاء الإيرانيين الآخرين ، إنهم يعملون بشكل مستقل إلى حد كبير . إذا لم يغزو السعوديون اليمن ، لما تمكنت طهران من تطوير علاقاتها مع جماعة الحوثي . والآن تنظر إيران إلى الحوثيين على أنهم جزء من ” محور المقاومة ” ضد إسرائيل والولايات المتحدة ، مع حزب الله اللبناني وميليشيات العراق وجيش الرئيس بشار الأسد .
الآن يمكننا القول دون أدنى شك أن إيران انتصرت في اليمن ، والسعودية والإمارات تسقطان في مستنقع اليمن. تبحث السعودية حاليا عن فرصة للخروج من المستنقع بنتيجة ملموسة ومشرفة ، لأن الانسحاب خالي الوفاض سيكون نتيجة مدمرة لهيبة المملكة وفقدان ماء الوجه دون تغيير الوضع الراهن.
فما الذي يريده اليمن ، أولاً : الحفاظ على السيادة الوطنية برا وجوا وبحرا ، من صعدة شمالا إلى سقطرى جنوبا ، ومن جزرنا بالبحر الأحمر وباب المندب إلى حدود سلطنة عمان ثانياً: عدم التدخل في الشؤون الداخلية عسكرياً وأمناً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ثالثاً : هو المعاملة المتساوية. هذه المطالب تحظى بدعم المجتمع الدولي ، بما في ذلك إيران وأمريكا ، وهذا ما أكده ليندركينغ في مجلس الشيوخ الأمريكي. وقال ليندركينغ : ” ما زال شاغلنا الأساسي في اليمن هو حماية أهداف الأمن القومي الأمريكي طويلة المدى ، مع تحسين محنة المدنيين اليمنيين أنفسهم “. ” وهذا يتطلب يمناً موحداً ومستقراً وخالياً من التدخلات الخارجية ، و عليه ان يمارس اليمن السيادة على كامل أراضيه ، ويحمي حقوق وحريات الملاحة في باب المندب ، وهي ضرورية للملاحة العالمية . وهذا لا يعني مباركة النفوذ الإيراني في اليمن ، ولكن يدعم يمن لا توجد به دولة أجنبية تأثر أو تسيطر عليه (هنا يقصد السعودية والإمارات). علاقات اليمن مع جيرانها تقوم على التعاون الاقتصادي والإقليمي ، وليس على التدخل العسكري: هذه الملاحظات ذكرت خلال جلسة الاستماع في 21 أبريل 2021.
#كاتب ومحلل سياسي يمني
10 مارس 2022