بوتين يأمر بوضع “قوة الردع” في تأهب.. ماذا لو اندلعت حرب نووية؟
حيروت – صحافة دولية
لم يعد تغير المناخ يشكل التهديد الوحيد من صنع الإنسان لمصير البشرية بأكملها؛ ففي ظل التوترات الأخيرة بين روسيا والغرب، زاد الكلام عن سيناريو حرب نووية تبدو أقرب مما كانت عليه منذ عقود، وتحديداً في ظل البيانات المتشائمة بشكل متزايد حول تطور الصراع بين روسيا وأوكرانيا ليستدرج روسيا والغرب إلى حرب تقليدية، وفقاً لتقرير للكاتب ماثيو روزسا.
وتضاعف القلق بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأحد، وضع “قوة الردع” في الجيش الروسي، وهو تعبير يمكن أن يشمل عنصرا نوويا، في حال التأهب متهما الغرب باتخاذ خطوات “غير ودية” تجاه بلاده.
وصرح بوتين خلال لقاء مع قادته العسكريين نقله التلفزيون: “آمر وزارة الدفاع ورئيس هيئة الأركان بوضع قوات الردع في الجيش الروسي في حال التأهب الخاصة للقتال”.
وأثارت سيطرة القوات الروسية على محطة تشرنوبل النووية الأوكرانية مخاوف كبيرة بشأن أمن أوروبا وسلامة محطات الطاقة النووية الأربع الأخرى في البلاد، وفق ما ذكرت صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية.
وحسب روزسا، “تتزايد خشية البعض من حرب بالأسلحة النووية، خصوصاً في ظل التدهور الظاهري للحضارة خلال الأشهر الأولى لوباء كورونا والذي لن يعادل شيئاً من الفوضى والدمار اللذين سيلحقان بالأرض بعد أي حرب نووية. ومع ذلك، أنتجت عقود من التعايش مع الأسلحة النووية قدراً كبيراً من المعرفة حول تأثيرات الحرب النووية على الكوكب والبشرية. وحتى لو اندلعت حرب نووية “صغيرة”، سيموت عشرات الملايين من الناس بعد الانفجارات الأولية. وسيلف غطاء من الغبار أشعة الشمس ويتسبب بشتاء نووي يدمر المحاصيل في جميع أنحاء الكوكب ويغرق المليارات في المجاعة. وفي نصف الكرة الشمالي، سيتعرض الأوزون لاستنزاف شديد من الدخان النووي بحيث تعاني الكائنات الحية من زيادة التعرض للأشعة فوق البنفسجية الضارة. في حين أن الأمور لن تكون بهذا السوء في نصف الكرة الجنوبي، وستواجه حتى البلدان التي تتمتع بمكانة جيدة مثل أستراليا الآثار المتتالية لحرب نووية صغيرة في نصف الكرة الشمالي بسبب ترابطها مع المجتمع العالمي.
وبحسب هانز كريستنسن من معهد “سيبري” لبحوث السلام، لن يتسبب تبادل الضربات النووية فقط بقتل الملايين من الناس وتلويث مناطق النفايات بالتساقط الإشعاعي، ولكن من المحتمل أيضاً أن يترك تأثيرات مناخية طويلة المدى. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتحول الصراع الحالي في أوكرانيا إلى حرب نووية. وهو أمر يشاطره خبراء الأسلحة النووية الرأي فيه. يقول جيف ويلسون، المدير السياسي لمنظمة غير ربحية مكرّسة لإزالة الأسلحة النووية من ترسانة الولايات المتحدة: “هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك باستثناء بعض سوء التقدير الهائل أو وقوع حادث أو تصعيد”. وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا ليست جزءاً من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى هذا النحو، لم تلتزم الولايات المتحدة باستخدام جيشها إذا تم التعدي على سيادة أوكرانيا. وفي حين أن صانعي السياسة الأميركيين يمكنهم تقديم مساعدات مادية ومعاقبة روسيا من خلال العقوبات، من غير المرجح أن يخاطروا بحرب مفتوحة.
ومع ذلك، تمتلك القوى النووية في العالم (والتي تضم، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا، الصين والهند و(إسرائيل) وفرنسا وكوريا الشمالية وباكستان والمملكة المتحدة) ترسانات ضخمة تحت تصرفها. بالإضافة إلى ذلك، أشرف الرئيس دونالد ترامب على تطوير أسلحة نووية جديدة. وبالتالي، يبقى احتمال نشوب حرب نووية دائماً، ربما ليس على الأرجح في هذا السيناريو، ولكن لا يمكن نفي وجوده تماماً. ويحذر ويلسون من أن “حقيقة بدء الولايات المتحدة بتطوير هذه الأسلحة مرة أخرى هو أمر جنوني، ويبعث برسالة سيئة للغاية إلى بقية العالم في الوقت الذي يضغط فيه الأميركيون على الدول لإنهاء الانتشار النووي وتقليص حجم الترسانات النووية ونطاقها لفترة طويلة، كما يرسل إشارة خطيرة الى خصومنا (أي خصوم الولايات المتحدة) بأننا نعتقد أن الأسلحة النووية التكتيكية مهمة مرة أخرى، وبالتالي قد يحذوا حذونا. أما إذا اندلعت حرب تقليدية بأسلحة نووية، فسوف تنتهي بشكل كارثي”.
ويوضح ويلسون أن “الباحثين قدروا أن حرباً نووية إقليمية، مثل تبادل بضع مئات من الأسلحة منخفضة القوة المتبادلة بين الهند وباكستان، قد تؤدي إلى مقتل المليارات من الناس في جميع أنحاء العالم، بسبب التأثيرات على إنتاج الغذاء العالمي. ومنذ أن أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ذرية على هيروشيما في العام 1945، دعا مفكرون من عدد من التخصصات الى حكومة عالمية كبديل لمحرقة نووية محتملة. أما الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا التهديد فهي مؤسسية وهيكلية من خلال إنشاء نظام دولي عملي للأمن الجماعي لا يقوم على الإزالة الكاملة لأسلحة الدمار الشامل وحسب، ولكن أيضاً على نزع السلاح التقليدي الجذري ومنح الأمم المتحدة قدرات التدخل السريع وهيئات وإجراءات صنع القرار الديموقراطية”. ويتطلب كل ذلك أيضاً، بحسب كريستنسن “اتفاقيات الحد من التسلح لخفض أعداد الأسلحة النووية ودورها واتفاقيات إدارة الأزمات لتقليل فرص ومخاطر سوء التفاهم ورد الفعل المبالغ فيه وتغييرات في السياسات الوطنية حتى تمتنع الدول عن اتخاذ إجراءات عدوانية”.
وتفيد شائعات بأن السيطرة على الموقع مرده إلى رغبة الروس في استخدامه كمنطقة لنشر الوحدات المدفعية لضرب العاصمة كييف، في حين يُرجّح آخرون أن موسكو تسعى للاستيلاء على نفايات نووية موجودة هناك بهدف صنع “قنابل قذرة”، وهي مزيج من المتفجرات التقليدية والمواد المشعة التي تهدف إلى نشر الغبار المشع على مساحة واسعة، علما بأن روسيا تفتقر إلى مثل هذه النفايات على أراضيها.
وعلى ضوء ذلك، أشار الجنرال الأميركي بن هودجز -في مقابلة مع قناة “إن بي سي” (NBC)- إلى أنه “إذا هاجمت القوات الروسية كييف من الشمال فإن تشرنوبل تقع في طريقها”.
ويضيف أن صدمة انفجار المفاعل رقم 4 في تشرنوبل، في 26 أبريل/نيسان 1986، لا تزال حاضرة في أذهان الأوروبيين، وقد أعقبها إجلاء نحو 350 ألف شخص يعيشون داخل دائرة قطرها 30 كيلومترا، في حين تم قياس مستويات عالية بشكل غير طبيعي من الإشعاع في القارة بأكملها تقريبا.
ووفقا لميخائيلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني، فإن الفرضية القائلة بأن القتال يمكن أن يلحق ضررا بـ”القوس” الكبير الذي أقيم عام 2018 المفترض أن يحصر الإشعاع سيشكل “أحد أخطر التهديدات بالنسبة لأوروبا”.
من جهتها، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء هذا الخطر المحتمل، ودعت الأطراف المتنازعة إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس “لتجنب أي عمل من شأنه تعريض المواقع النووية في البلاد للخطر”.
وليست محطة تشرنوبل -تضيف الصحيفة- الموضوع الوحيد الذي يشغل بال المتخصصين في الأمن النووي، وقد لا يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق.
ويشير خبير الأمن النووي في مؤسسة كارنيغي للسلام، جيمس أكتون، إلى أن “تشرنوبل تقع داخل منطقة حظر كبيرة، وسيخفف محيطها غير المأهول من عواقب وقوع حادث نووي ثان”.
بدلا من ذلك، يهتم هذا الخبير الفيزيائي بشكل أكبر بمحطات الطاقة النووية الأوكرانية الأربع الأخرى التي لاتزال -على عكس تشرنوبل- تعمل وتوفر أكثر من نصف الكهرباء في البلاد: اثنتان في غرب البلاد على مسافة بعيدة من القتال، والثالثة والرابعة في الجنوب والجنوب الشرقي بمنطقتي زابوريزهيا وميكولايف، الأكثر عرضة للخطر.
وتشير الصحيفة إلى أنه من غير المرجح أن يكون لأي من أطراف النزاع مصلحة في حدوث كارثة نووية أخرى في أوكرانيا، لكن مع ذلك قد تتأثر محطاتها النووية عن طريق الخطأ.
ويرى بترو كوتين -الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجو أتوم” الأوكرانية المشغلة لهذه المحطات- أن هذه المنشآت صُممت لتحمل حوادث تحطم الطائرات، لكن ذخيرة المدفعية والمقذوفات غالبًا ما يتم تصميمها لاختراق الخرسانة.
تسرب محتمل
ويشعر الخبير جيمس أكتون بالقلق بشكل خاص من حدوث تسرب محتمل من أحواض تبريد الوقود النووي المستهلك؛ إذ يمكن أن يؤدي نقص التبريد بعد ذلك إلى ذوبان الوقود وإطلاق نشاط إشعاعي قوي جدا.
ويقر أكتون بأن احتمال وقوع حادث من هذا النوع منخفض، إلا أنه يشدد على أن خطورته المحتملة تتطلب اتخاذ “تدابير استثنائية” من جانب السلطات الروسية لمنع وقوعه.
وفضلا عن خطر التعرض لضربة مباشرة، فإن الافتراض بأن القتال يمنع عمال المحطات من الذهاب إلى المواقع للصيانة هو عامل خطر إضافي.
ويشير الكاتب إلى أن البيانات الصحفية لشركة “إنرجو أتوم” مطمئنة؛ إذ تؤكد أن محطات الطاقة النووية الأوكرانية الأربع تعمل من دون مشاكل. في المقابل، أبلغت سلطات كييف أمس الجمعة عن معدلات عالية على غير العادة للنشاط الإشعاعي في منطقة تشرنوبل، ويؤكد الخبراء الأوكرانيون أن ذلك بسبب الغبار الذي تثيره تحركات القوات والعربات المدرعة.