الحرب في تهامة ونشر سموم الموت بقلم| عبدالباري طاهر
بقلم| عبدالباري طاهر
تدخل الحرب في اليمن عامها الثامن، وتتصاعد يومًا عن يوم، وعامًا بعد عام. نصيب تهامة من جرائم الحرب ضد الإنسانية والإبادة -بأشكال وصور مختلفة- هو الأنكى والأكثر تدميرًا.
دُمِّرت حَرَض مع بدايات الحرب، وقُصِفت بالطيران السعودي قوارب الصيادين، وحُرِم الآلاف من الصيادين من حق الاصطياد، وحق الحصول على القوت اليومي.
الحصار البري والبحري والجوي أثره كارثي على اليمن كلها، وعلى تهامة بوجه أخص؛ حيث يعيش سكان تهامة على الاصطياد، والعمل في الموانئ، وعلى الزراعة بشكل رئيسي.
وديان تهامة الكثيرة والخصبة تعطلت زراعتها بالحرب المهلكة التي أحرقت النخيل في السواحل والمزارع المنتشرة في مختلف أنحائها، وأحرقت عُشش الفلاحين في القرى، وفرضت التجنيد على اليد العاملة، ورفعت أسعار المشتقات النفطية، أو أنها أعدمتها.
المشردون من سكان تهامة هم الغالبية العظمى، والجوع الذي يطحن 80% موطنه تهامة؛ فغالبية السكان جوعى في أخصب المناطق وأكثرها ازدهارًا وإمدادًا لليمن كلها.
تحقيقيات الصحفية نوال المقحفي للـBBC عن المجاعة التي تميت الأطفال، مرعبة. انتشار الأوبئة الفتاكة: الملاريا، البلهارسيا، الرمد، حمى الضنك، الكوليرا، الفشل الكلوي، والسرطان، وأخيرًا الكورونا- أضرت بأهالي تهامة، خصوصًا في ظل عجز وتدهور الخدمات الطبية وغلاء الأدوية.
الحكم في اليمن، ماضيًا وحاضرًا، طاغٍ مستبد وفاسد، ولكنه في تهامة أكثر طغيانًا وفسادًا واستباحة. ليس أدل على ذلك من الحالة القائمة والتي يعرفها الجميع: ظلم، ونهب الأراضي، وجوع، وحرب، وأوبئة.
قبل أعوام بدأت أعراض أمراض غريبة تظهر على الحيوانات في مناطق قريبة من المخا، وقد كتبت عنها بعض الصحف، وأشار إليها بعض الباحثين، ثم خفت صوت الحديث عن الإشعاعات السامة، والنفايات المحتمل دفنها في مناطق معينة.
الدكتور عبدالودود مقشر ظل يتابع الحالة، كباحث وكواحد من أهالي المنطقة، وقد دوّن وصوَّر التشوهات في الأطفال، والأوبئة المنتشرة في “الجرّاحي”، ومناطق جنوب الحديدة، كما جمع التقارير الصادرة عن بعض الجهات، وبالأخص تقرير الطاقة النووية.
التحقيقات والتقارير الأولية مفجعة، وتؤشر على وجود بيئة غير سليمة وخطيرة، وانتشار تشوهات غير مسبوقة، خصوصًا على الأطفال؛ وهو ما دفع الناشطين وجماعة “نداء السلام” لإصدار بيانات تدعو الأمم المتحدة، والمنظمات المتخصصة والإنسانية للتحقيق في الحالة الفاجعة. كما أن الدراسة العلمية للبيئة، والتأكد من أسباب انتشار الأوبئة والتشوهات، مستندة إلى التقارير الموثّقة، ونداءات الدكتور الباحث عبدالودود مقشر.
كان الباحث الدكتور محمد الغشم في ثمانينيات القرن العشرين الماضي، في مجلة “دراسات يمنية”، قدّم العديد من الدراسات والأبحاث حول مخاطر الأسمدة السمّية المدمرة للبيئة والحياة البشرية والثروة الحيوانية.
الأخطر، أن تدمير تهامة جارٍ على قدم وساق بالحرب المركبة من أطرافها: الأهلية، والإقليمية، والدولية، ومن المجاعة التي تتفوق على الحرب في القتل، والأوبئة الفتاكة الفاشية؛ وهي أوبئة تجاوزتها العديد من البلدان، وتعود الآن إلى اليمن مجددًا، ويأتي انتشار الأسمدة المحظورة دوليًّا، والمدمرة للبيئة، إلى جانب احتمال دفن نفايات نووية في السواحل، وهو أمر غير مستبعد. والأهم أن الظواهر الراعبة في البيئة، وعلى أجساد الأطفال وفي التربة، تستدعي مناشدة المنظمات الدولية المختصة، وبالأخص منظمة الطاقة النووية- إجراء تحقيق في الموضوع، والعمل على دراسة للوضع.
أصدر ناشطون مفجوعون من الوضع القائم في المنطقة، ومن صور الأطفال، بيانَ إدانة وتضامن، كما أصدرت جماعة “نداء السلام” بيانًا يدعو المنظمات الدولية للتحقيق في المخاطر الناجمة عن انتشار النفايات السامة، وتحديدًا أسباب التشوهات على أجساد أطفال مناطق الجرّاحي، وجبل راس، وزبيد، والخوخة.
إن تحديد مصدر الخطر وأسباب التشوهات، أهم كثيرًا من الاتهامات الجزاف، أو تسييس الأمور؛ لأن ذلك لا يخدم الضحايا ولا المنطقة وسكانها.
إن مناشدة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة، أمر ضروري، ويكفي تهامة وسكانها أنهما معرضان لتدمير كل وسائل وأسباب الحياة، بحيث أصبحت تهامة بيئة غير صالحة للسكنى.
إن هناك جريمة حقيقية لا يجوز السكوت عليها، وقد ناشد بيان جماعة “نداء السلام” الضمائر الحية على امتداد العالم، أن يلتفتوا إلى هذه المأساة الإنسانية الرهيبة، وأن يتعاملوا معها بوحي من ضمائرهم وشعورهم الإنساني ومسؤوليتهم الأخلاقية، وأن يمارسوا ضغوطًا على حكوماتهم للمساعدة في كشف جوانب هذه الجريمة وأبعادها ومخاطرها على الحياة برمتها، بحسب خيوط.