حتى لا يصبح الانتحار بين الشباب ظاهرة بقلم| سامية الأغبري
بقلم| سامية الأغبري
قبل أيام قلائل، فجر انتحار شاب جامعي، هو فيصل فهد المخلافي، الذي يدرس بكلية الإعلام -جامعة صنعاء، داخل الحرم الجامعي، حيث وجد مشنوقًا فوق شجرة بجوار كلية الهندسة، التي كان سجل فيها العام الماضي، ثم سجل هذا العام بكلية الإعلام، موجة من الرعب والقلق والخوف والغضب العارم تجاه هذه المأساة، بدأت تتفجر على شكل موضوعات في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة “فيسبوك”.
وتباينت ردود الأفعال نحو حادثة انتحار الطاب الجامعي فيصل المخلافي، ما بين مستنكر لانتحاره باعتبار أنه بإقدامه على قتل نفسه قد حكم على نفسه بالعقاب الإلهي، وهو ناتج عن بعده عن الله، فيما أرجع الرأي الثاني سبب الانتحار إلى أوضاع التعليم المتردي والحالة الاقتصادية المتدهورة، منكرين ما يمر به من حالة نفسية سيئة، حيث يعلق أحد زملائه بالقول: “… أما مبرر أنه يمر بحالة نفسية فهذا هراء، فما قام به فيصل يعتبر قمة العقل، تعرفون لماذا انتحر، لأن كل شيء انتحر بداخله، انتحر الأمل، انتحر المستقبل المجهول بمشنقة الحاضر الذي يكتظ بالمآسي..”.
ويواصل قائلًا: عندما يرى من بعمره يعيشون حياة مترفة، ويمتلكون السيارات، ويدخلون أرقى المطاعم، ويلبسون أغلى الثياب، بينما هو لا يجد كسرة خبز وهو في ذروة جوعه، لكنه عاجز عن شرائه، لباسه بدلة واحدة طوال العام، حتى إمام الجامع لا يسمح له بأن يغسلها… ما الذي يبعث فينا الأمل بالغد؟ كل شيء ينذر باليأس، وكل يوم والظروف تزداد قساوة، كذب من قال إن غدًا أجمل، بل أتعس وأقبح، فغدًا أجمل للساسة وأبنائهم، أما عن البسطاء فلنا القتل والجوع والحزن والقهر. إن ما يحزنني على فيصل ليس انتحاره، بل هل انتحر وهو ممتلئ البطن، أم كان جائعًا؟ هل صاحب البقالة كلمه بلطف أم زجره ونهره؟ هل وجد ماء السبيل أم انتحر ظمآنًا؟ هل حذاؤه أسعفته ليصل إلى المشنقة، أم تمزقت لتترك رجليه يخترقهما الشوك؟ هل سمع صوت أمه وأخته الصغيرة قبل أن ينتحر، أم لم يكن لديه رصيد…؟ أما انتحاره فهو أكرم نفسه في بلاد أهانت عزيز النفس وقتلت الشباب في ريعانه. أما الذين يقولون إنه قتل نفسه وأن مصيره جهنم، أقول لكم ربما أبو جهل أرحم منكم، وسيعطيه الطعام والماء حتى وإن كان زقومًا”.
اخترت لكم بعضًا من المقال السابق الذي يقدم فيه زميله الطالب إسقاطاته الذاتية، وحالة الكثير من الشباب المعيشية الصعبة كسبب كافٍ للانتحار، مع أن الشاب فيصل، كما أبلغني ابن خالته محمد عبده المخلافي، لم يكن يعاني ماديًا، فقد كان لديه محل للتجميل في شارع هائل، باعه من ثلاثة أشهر، ووالده يساعده بالمال الكافي وزيادة.
وإن معاناته من الاكتئاب الحاد منذ أكثر من سنة ونصف، وتردده على الأطباء دون جدوى، هي السبب في إنهائه لحياته.
ومن المضحك المبكي أن البعض من زملائه وزميلاته يردون على زملائهم وزميلاتهم -ممن يعدون انتحار زميلهم فيصل قمة العقل والشجاعة التي لم يمتلكوها بعد- بالقول القناعة كنز، ارضَ بواقعك تعش مرتاحًا، ولا تنظر للذي فوقك بالمستوى المادي، انظر للذي يعاني من مرض مزمن وصراعه للعيش، احمد الله على عافيتك، قوِّ علاقتك بالله وصلاتك ودعاءك، كن واثقًا أن الله سيكون معك في كل أمورك، اجلس مع الناس الإيجابيين، مع أهل الذكر، مردفين بالقول: لا يحق لنا الانتحار.
ويحاول بعض ممن يعرفونه عن قرب ويتابعون صفحته على “فيسبوك”، أن يوضحوا حالة زميلهم فيصل قبل الانتحار، حيث تقول إحدى زميلاته: “كان يكتب كثيرًا، ويتحدث قليلًا، كان واحدًا من بين الكثيرين الذين يمرون بظروف نفسية صعبة، لكنه كان البطل الشجاع الذي اتخذ قراره، وجعل للتعاسة التي يعانيها نقطة نهاية، أنا والكثير من زملائه كنا نقرأ له ما ينشر على صفحته من بؤس مفجع، ولا يتحرك منا ساكن ليكون قريبًا منه، لعله يخفف عنه ذلك البؤس وتلك المعاناة.
وتواصل زميلته الحزينة قائلة: “كنت أنظر إلى ذلك الشاب بأن مستقبله مشرق في عالم الكتابة، ما كان يكتبه كان يجذبني ويشد انتباهي، كان موهوبًا لم ينتبه أحد لتلك الموهبة لينميها.
وتختتم حديثها بالقول: نم بسلام يا فيصل، فهذا العالم الحقير لا يناسبك.. هكذا كشف لنا انتحار الطالب فيصل، أن هناك الكثير والكثير من الطالبات والطلاب، وبخاصة في كلية الإعلام، يرون أن زميلهم اتخذ القرار الصائب، وينوون اللحاق بزميلهم تحت مبررات عدة، وهو ما يؤكد لنا ضرورة إيجاد معالجات عاجلة لطلابنا وطالباتنا حتى لا يصبح الانتحار بين الشباب ظاهرة يصعب معالجتها.
لا أخفيكم سرًا أن القلق والخوف اعتراني، ليس بسبب انتحار الشاب طالب الإعلام فيصل المخلافي، فحسب، وإنما بسبب تأثير انتحاره على زملائه وزميلاته سلبًا، بدرجة تدق ناقوس الخطر على الأجيال الحالية والقادمة في زمن الحرب والصراع والأزمات المتتالية اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وسياسية وأمنية.
توجهت على الفور للأخصائي والمعالج النفسي صخر طه الشدادي، في المركز الطبي الخيري الذي يعالج الكثير من الحالات النفسية مجانًا، كي أستفسر منه عن الأسباب التي توصل المراهقين من الشباب للانتحار، فيؤكد لي أنه بالنسبة للشاب فيصل من خلال كتاباته بالفيس، فعلًا يعاني حالة اكتئاب حاد، وكان بحاجة للأدوية والعلاج النفسي الانتقائي جنبًا إلى جنب.
وبالنسبة للأسباب التي يمكن أن توصل المراهقين الشباب للانتحار، يؤكد الشدادي أنه يتم تغييب التأثير الكبير للجانب النفسي، مما يؤدي إلى الجهل السيكولوجي (النفسي) بين الزملاء والأصدقاء، إذ تسود الأمية السيكولوجية -كما يسميها- لدى الطبقات المتعلمة.
علاوة على تهميش دور الأخصائي النفسي في المدارس، واستبداله بأخصائي اجتماعي أو أحد مدرسي المواد الأخرى كالرياضيات أو الرسم. والأكثر سوءًا أن من أهم صفات معظم الأخصائيين النفسيين هي الشدة واستخدام العصا، ليدخل الرعب في نفوس الطلاب لإخضاعهم.
بالإضافة إلى التقلبات البيولوجية التي تحدث في سن المراهقة للجنسين، ولا تتم مراعاتها من قبل الأهل والأسرة والمدرسة، ويصل المراهق إلى الجامعة وهو في حالة عدم استقرار نفسي، وتكمل الجامعة ما تبقى من الاحتراق النفسي.
كما أن غياب تسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام على القضايا النفسية والمراكز المعنية بالعلاج النفسي يعد من الأسباب المؤثرة في ضعف الوعي بأهمية العلاج النفسي. وينتج عن ذلك تركيز المجتمع على المشعوذين والسحرة والدجالين لاعتقادهم بهم.
والأهم من ذلك عدم وعي المجتمع بالارتباط الوثيق بين الصحة النفسية والصحة الجسدية كاضطراب القولون والمعدة والربو والجلطات والضغط والذبحات الصدرية، وتسمى بالاضطرابات “النفسجسدية”، كما أن الناس يتجهون في الغالب إلى فئة المشعوذين دون غيرهم لضعف وصمة العار عند التردد عليهم.، ولا يتوجهون في الغالب للأطباء أو المعالجين النفسيين للهروب من وصمة العار خشية من اتهامهم بالجنون، وعدم الاحتكاك بهم أو التعامل معهم، بل الأسوأ من ذلك هو السخرية منهم، ويصبح الشخص منبوذًا من المجتمع، بالرغم من أنه في مفهوم الصحة النفسية ينبغي أن يكون لكل فرد معالج نفسي يزوره ويتردد عليه بين الفينة والأخرى كما يحدث في الدول المتقدمة.
ويحجم الناس عادة عن الذهاب للطبيب النفسي خشية من البوح بأسرارهم من قبل المعالج النفسي، في حين أن المعالج النفسي -كما يؤكد الشدادي- مؤتمن، ويحاكم في حال أخرج أسرارًا خاصة بمرضاه شخصيًا.
ويرى المعالج النفسي الشدادي أن من أهم الأسباب التي تجعل الناس يحجمون عن الاستعانة بالأطباء والمعالجين النفسيين، هو ضعف غالبية المعالجين النفسيين علميًا ومهنيًا، واستغلال أغلب الأطباء النفسانيين بعملية صرف الأدوية، وذلك نتيجة للنسبة التي يحصلون عليها والرحلات الخارجية والمؤتمرات للأطباء التي تدعمها شركات الأدوية.
ويرتبط بما سبق من استغلال الأطباء النفسانيين للمرضى النفسيين، ضعف الجانب المادي للمرضى النفسيين، وعدم قدرتهم على الذهاب للأطباء النفسانيين الذين سيقررون لهم الأدوية المرتفعة التكلفة المادية، وفوق ذلك لا يتم التشخيص السليم للحالة فيأخذ المريض الدواء الذي قد يزيد حالته سوءًا، حيث يعالج الأطباء أعراض المرض وليس أسبابه.
بالإضافة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والصراعات السياسية والحروب والأزمات، والمشاكل الأسرية الناجمة عن ضعف الوعي النفسي والمشاكل الاقتصادية، وعدم الاستقرار في الجانب الديني (الاستقطاب الديني من عدة جهات للشباب)، فضلًا عن تحول الدين إلى أقوال دون الأفعال.
ولمعالجة الاضطرابات النفسية التي قد تؤدي بالمريض للانتحار عندما يصل إلى طريق مسدود، ينبغي إيلاء وسائل الإعلام الاهتمام الكافي بالصحة النفسية من خلال وضع برامج تثقيفية وتوعوية في تلك الوسائل عن كيفية الوقاية من الأمراض النفسية، وتوعية الناس وبخاصة الشباب بأهمية الذهاب للأطباء والمعالجين النفسيين، واعتبار المرض النفسي لا يقل أهمية عن المرض الجسدي.
ولا بد من إقامة العديد من الندوات عن الصحة النفسية للصحفيين والإعلاميين وأهميتها بالنسبة لهم كي يتمكنوا من الكتابة وهم أصحاء نفسيًا، فتنعكس الصحة النفسية في كتاباتهم وبرامجهم، ويعرفوا الجمهور بأهمية العلاج النفسي، وكيفية الحفاظ على الصحة النفسية.
كما أن الصحفيين والإعلاميين سيعرفون المواطنين بالمراكز النفسية، وخصوصًا المجانية، كي يتوجهوا إليها بإرادتهم، ويصبح بالنسبة لهم التوجه للطبيب أو المعالج النفسي مثله مثل الذهاب للطبيب المختص بالجسد، وتمحى وصمة العار عن المريض النفسي.