إعصار اليمن وفرص العدو الإسرائيلي في جرِّ حلفائه إلى حرب إقليمية بقلم| محمد السادة
بقلم| محمد السادة
يبرز اهتمام دولي كبير سياسياً وإعلامياً بما تتعرّض له أبو ظبي ودبي من ضربات عسكرية يمنية محدودة، في إطار حق الرد المشروع للدفاع عن النفس وإرسال رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، يستمرّ التجاهل الدولي لما يتعرَّض له اليمن من عدوان وحصار مستمر منذ 7 سنوات، قامت خلاله دول التحالف بارتكاب أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين والأعيان المدنية، من أحياء سكنية وأسواق ومدارس ومستشفيات وغيرها، في انتهاك صارخٍ لكلِّ الشرائع والقوانين الدولية.
عمليّة “إعصار اليمن” الثالثة التي تزامنت مع زيارة رئيس كيان العدو الإسرائيلي للإمارات بشكل يستفز ويتحدى مشاعر الشعوب العربية والإسلامية وإرادتها، حملت عدداً من الرسائل والدلالات، إذ وجّهت صنعاء رسالة مزدوجة إلى الإمارات ومن تستنجد بهم.
تُشير الرسالة الأولى إلى أنَّ الإمارات لم تعُد آمنة، وأنّ عمليات “إعصار اليمن” ستبقى مستمرّة ما لم تُسارع إلى كفّ عدوانها المباشر وغير المباشر عن اليمن. أما الرسالة الثانية، فهي للولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي، بأنَّهما غير مؤهلين لحماية الإمارات، لكونهما أضحيا في دائرة استهداف صنعاء، التي لن تتردّد في الرد على أيِّ حماقات عسكرية ضدها بضربات أكبر من تلك التي تتلقّاها السعودية والإمارات.
أما الدلالات الكلية لعمليات “إعصار اليمن” وإمكانية استمرارها، فهي تؤكد جدية صنعاء في تحذيراتها لدول العدوان، كما تؤكّد من حيث توقيتها استقلالية القرار اليمني، وتدحض الادعاءات القائلة إنَّ إيران تقف وراء عمليات صنعاء العسكرية، وإنها ترتبط بالملف النووي الإيراني، الأمر الّذي لا ينسجم مع المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها مفاوضات الملف النووي الإيراني، وإبداء طهران استعدادها لخوض مفاوضات مباشرة مع واشنطن، ناهيك بنجاحها خلال المفاوضات في فصل القضايا الإقليمية عن الملف النووي.
من ناحية أخرى، أثبتت صنعاء قدرة عالية على مواجهة التصعيد بالتصعيد، وعلى ضبط وتيرة التصعيد، من خلال ما تملكه من أوراق وخيارات مفتوحة لا تعترف بخطوط حمراء.
كما تُشير عمليات “إعصار اليمن” إلى دخول المعركة مرحلة جديدة من قواعد الاشتباك التي تفرض فيها صنعاء معادلة توازن ردع جديدة تشمل العدو الإسرائيلي، إلى جانب السعودية والإمارات، إضافةً إلى إرسال رسالة واضحة بأن الأمن الجماعي للمنطقة ودولها كُلٌّ لا يتجزأ، وأنَّ أنظمة الحماية الدفاعية لدول العدوان، مهما كانت متقدمة، تظل ذات كفاءة نسبية، ولا يمكنها توفير الحماية الكاملة، فقد فشلت منظومة “الباتوريوت” في السعودية والإمارات، فيما تمكَّنت تكتيكات المقاومة الفلسطينية في عملية “سيف القدس” العام الماضي من إظهار جوانب فشل منظومة القبة الحديدة الإسرائيلية.
أعلن قائد الثورة اليمنية عبد الملك الحوثي سابقاً إمكانية استهداف كيان العدو الاسرائيلي في حال تورط في حماقات ضد اليمن، وأكد أن الأخير لن يتردد في توجيه أقسى الضربات الممكنة إلى الأهداف الحساسة جداً التابعة لذلك الكيان المُحتل للأراضي الفلسطينية، وهو ما يأخذه العدو الإسرائيلي على محمل الجد، ويضع سيناريوهات للتعامل معه في حال حدوثه.
كما أنه يُسوق إعلامياً سيناريو القيام بعمل عسكري استباقي ضد صنعاء وعدم انتظار ضرباتها، وهو سيناريو استعراضي استفزازي يستدعي الإشارة إلى ما سبق الإيعاز به إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتهديد إيران في العام 2017، إذ قال: “نعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران، وليس في السعودية”.
لن تنجرّ صنعاء إلى مكائد العدو الإسرائيلي، فقد أثبتت قيادتها على مدار 7 سنوات من العدوان أنها تتحلّى بالحكمة وبأعلى درجات ضبط النفس، وأن معركتها هي معركة النفس الطويل، وهي بذلك تُفوت على العدو الإسرائيلي فرصة جمع حلفائه المطبّعين من الأعراب، إضافةً إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول، للاصطفاف معه في حرب، ولكن في الوقت ذاته لن تبخل صنعاء بتوجيه أقسى ما يمكن من ضربات عسكرية، رداً على أي حماقات عسكرية صهيونية في اليمن أو في حال نضوج متطلبات توجيه ضربة. وعندها، سيتم تحديد كيف وأين ومتى يكون الرد، سواء بشكل منفرد أو في إطار محور المقاومة.
لا شكّ في أنّ كلّ دول محور المقاومة وأطرافه في حالة حرب شاملة مع التحالف الأميركي – الصهيوني -السعودي – الإماراتي، وهي حرب عسكرية مباشرة، إلى جانب الحرب الباردة بأدواتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية.
وبذلك، يكون محور المقاومة هو الأكثر استعداداً لأيّ احتمالات يجرّ فيها كيان العدو الإسرائيلي حلفاءه إلى توسيع دائرة الحرب، لتكون حرباً إقليمية شاملة يجعل منها فرصة سانحة لتحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها منفرداً والخروج منها منتصراً، ولكن محور المقاومة، بما يمتلكه من أفضلية وإمكانيات بشرية وعسكرية، مع الإيمان بأن المعركة والخندق واحد، قادر على تحويل ما يعتقده العدو الإسرائيلي فرصة سانحة إلى ضربة قاضية قد تُنهي وجوده غير المشروع في المنطقة.
وبذلك، لا يكون الانزلاق في حرب إقليمية أو القيام بضربات خاطفة ضد محور المقاومة لمصلحة كيان العدو الإسرائيلي، الَّذي أصبح اليوم على مسافة صفر من تلقّي ضربات عسكرية مزدوجة أو جماعية، تنطلق من الداخل الفلسطيني المحتل ومن الحدود القريبة، وحتى من مسافات بعيدة طوتها تكنولوجيا متقدمة لآلاف الصواريخ البالستية والطيران المسيّر لإيران واليمن والعراق.
الولايات المتحدة ليست مستعدة للمغامرة في قيادة تحالف لحرب إقليمية. وعلى الرغم من محاولة واشنطن أن تظهر أنَّ تقليص وجودها العسكري في المنطقة وانحساره لا يخل بمبدأ الردع واستمرار تأمين مصالحها، فإنها تُدرك أن تجارب الفشل في المنطقة وحجم مصالحها لا يؤهلانها للقيام بعمل عسكري يحرفها عن مسارها الجديد، ويمنح من تعتبرهم الأعداء الجُدد، كالصين وروسيا، فرصة ذهبية.
كما تُدرك أنَّ كلّ قواعدها ومصالحها في المنطقة ستكون أهدافاً عسكرية سهلة لمحور المقاومة، ناهيك بالمواجهة البحرية وتداعياتها على المستوى الدولي، فقد تغلق صنعاء وطهران مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وبالتالي إن السقف الأعلى لواشنطن هو ما تقوم به حالياً من مناورات عسكرية استفزازية مع حلفائها، كالمناورة الحالية في البحر الأحمر، وإعلانها دعم الإمارات بمقاتلات متقدمة، وإرسال المدمرة “يو أس أس كول”، إضافة إلى استئناف صفقات السلاح لحلفائها في عدد من الدول، كالسعودية والأردن والإمارات.
ختاماً، على حلفاء واشنطن وكيان العدوّ الإسرائيليّ، وفي مقدّمتهم الإمارات والسعودية المثقلتان بالهزائم والاستنزاف في اليمن، تَدارُك ما يُمكن تداركه في عدوانها على اليمن والخروج الفوري من هذا المستنقع كخيار وحيد، فالولايات المتّحدة لا يُمكن أن تُقدّم أكثر مما قدمته عسكرياً واستخباراتياً وسياسياً، كما أنّ من يذهب إلى المزيد من الارتماء والرهان على العدو الإسرائيلي يبدو أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار، وقد يُعجّل قيام ثورات حقيقية تقتلع تلك الأنظمة التي تسير باتجاه معاكس لمصالح وإرادة شعوبها التي تتطلع إلى الخلاص من الوصاية الأميركية وإنهاء التطبيع مع العدو الإسرائيلي.