حرب الأموال المشبوهة في اليمن: مستنقع غسل النقود
عدن – محمد راجح
تؤرق شبكات التحويلات المالية المنتشرة في اليمن بشكل كبير، حكومة الرئيس هادي والمؤسسات النقدية العامة التي تسعى بصورة حثيثة للسيطرة على استمرار توسعها، خصوصاً في السنوات الثلاث الماضية، وضبط عملها المصرفي وربط حساباتها المالية بالبنك المركزي.
هذه الجهود المتواصلة المدفوعة بضغط خارجي من قبل المؤسسات المالية والنقدية الدولية تواجه تحديات وعقبات جسيمة تصعّب من عملية محاصرتها والسيطرة على أدائها وإدماجها في المنظومة المصرفية والنقدية للمؤسسات الحكومية العامة.
وكثفت الحكومة، عبر الدوائر والمؤسسات المالية المتخصصة، من إجراءاتها منذ بداية العام الحالي 2022، لضبط شبكات التحويلات المالية، وهي إجراءات ممتدة من عام 2020، تستهدف تفعيل أدوات الرقابة المصرفية لمحاصرة هذه الشبكات في إطار الخطط المعدة لمواجهة انهيار العملة المحلية.
غسل الأموال وتمويل الإرهاب
وتركز الجهود في حكومة هادي، منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، في اتجاه ربط عملية ضبط شبكات التحويلات المالية بالضوابط الرقابية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد ما كانت عبارة عن إجراءات إدارية تتمثل في تطوير منظومة منح التراخيص، ومحاسبية بهدف وضع عملياتها المصرفية وحساباتها المالية تحت إشراف البنك المركزي اليمني في عدن.
ووفق تقديرات الخبير المالي أحمد شماخ، فإنّ 70% من حجم الأموال المتداولة في اليمن تتم خارج الإطار المصرفي الرسمي، وهي أموال مشبوهة وقذرة على حد وصفه، وهناك صعوبة كبيرة في السيطرة عليها وعلى قنوات تداولها.
ويرى شماخ أنّ البنك المركزي اليمني مهمته تنظيم السوق المصرفي وشركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية التي تعتبر سبب اضطراب أسعار الصرف في العملة.
ويشير إلى قصور البنك وعجزه عن تنظيم السوق والسيطرة على هذه الشركات والشبكات، التي تفوق حجم الاقتصاد.
ورسمياً، لا توجد بيانات تحدد أرقاماً دقيقة لحجم الأموال المشبوهة، إذ تحجم الجهات المسؤولة عن كشف التقديرات الحكومية لهذه الأموال حتى لا تهتز الثقة في القطاع المصرفي.
ويؤكد شماخ أنّ شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية تمتلك الكتلة النقدية الأكبر في السوق، وتعمل على تغذية السوق السوداء وعملية تهريب الأموال وتداولها في قنوات غير رسمية.
توسع مقلق لشبكات التحويل
الخبير في الأنظمة المصرفية الخاصة بمكافحة غسل الأموال، أنور ثابت، أنّ أكبر معضلة تواجه اليمن والقطاع المصرفي بشكل عام تتمثل في تعطيل منظومة العمل القانونية المصرفية وخروج قطاع الصرافة عن السيطرة، ما أدى إلى تضخمه وتحوله إلى قطاع اقتصادي مواز، بعد ما أصبح يقوم بدور البنوك وأوعية جاذبة للمدخرات والاستثمارات.
ويؤكد أنّ هذا التوسع المقلق لشبكات التحويلات المالية وصعوبة السيطرة عليها أخل كثيرًا بعلاقة اليمن والمؤسسات النقدية الوطنية بالقطاع المصرفي الخارجي والمؤسسات النقدية الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين.
لذا يلاحظ كيف تتجه تمويلات المؤسسات الدولية في مساعدة اليمن، بتخصيص الجزء الأكبر منها لتطوير أداء المؤسسات النقدية والمالية الحكومية للسيطرة على شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية، للحدّ من عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حسب ثابت.
الضوابط الرقابية
في هذا الصدد، نظم البنك المركزي اليمني في عدن، عبر وحدة جمع المعلومات المالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الأسبوع الماضي، ورشة عمل نوعية تحت مسمى “الضوابط الرقابية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في شبكات التحويل المالية”، دعا لحضورها جميع شركات الصرافة العاملة في اليمن.
وحسب مصدر في البنك المركزي اليمني، فضل عدم ذكر اسمه، فإنّ هناك عدداً من الفعاليات ستنظم تباعاً خلال الفترة المقبلة، للخروج بإطار عمل يلزم هذه الشبكات المالية بخطط تنظيم عملها بشفافية وتفعيل أدوات الامتثال وفق منظومة مالية ومحاسبية يشرف عليها البنك المركزي اليمني.
وأضاف المصدر: “سيشدد المركزي على ضرورة التزام القطاع المصرفي بشكل عام بضوابطه ومنشوراته، والمعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
ويرى مصرفيون وتقارير دولية أنّ ظاهرة غسل الأموال في العالم التي أخذت تنتشر في المعاملات المصرفية عبر شركات التحويل، تعد من أخطر الجرائم الاقتصادية وأكثرها ضرراً على اقتصاديات البلدان المختلفة.
وتشير بيانات وإحصائيات صندوق النقد الدولي إلى أنّ تجارة غسل الأموال أضحت تتراوح حالياً ما بين 950 ملياراً و1.5 تريليون دولار سنوياً، على المستوى العالمي.
أدوات للمضاربة
ورفعت المؤسسات المالية والنقدية الدولية من مستوى ضغوطها ومطالباتها للحكومة بوضع حد للانفلات الذي يجتاح القطاع المالي والمصرفي. ويأتي ذلك وسط استفحال ظاهرة غسل الأموال بسبب تعدد الأدوات التي تستخدمها شركات أفراد في هذا الصدد.
الخبير المصرفي ناصر القعطبي، يقول إنّ الفوضى التي يعيشها القطاع المصرفي في اليمن وتوسع محال وشركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية بعيداً عن الرقابة الحكومية، سمح لها بالعمل كأدوات للمضاربة بالعملة والتحكم بالسيولة المالية من النقد الأجنبي والتأثير على سوق الصرف واضطراب سعر صرف الريال اليمني.
ويشير إلى محدودية تأثير الخطط الحكومية لضبط انتشار شبكات التحويلات المالية أو إدارة هذا التوسع والرقابة عليه، لافتقاد الجهات النقدية المسؤولة عن تنفيذ هذه الخطط للأدوات الرقابية الفعالة التي تمكنه من السيطرة على سوق الصرف الذي تحول إلى أداة ضغط بيد شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية لمواجهة هذه الخطط والإجراءات الحكومية.
ضمن الدول الأكثر فسادا
وجاء اليمن في ذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية في تحليلها لمؤشرات الفساد لعام 2021 الذي صدر الأسبوع الماضي، إذ احتل المركز 174 من إجمالي 180 دولة.
وكانت حكومة هادي، أعلنت في منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن الجهات المختصة تحقق مع مسؤولين بتهم بينها الفساد والاعتداء على المال العام. وترأس رئيس الوزراء، معين عبد الملك، آنذاك اجتماعا للأجهزة المعنية بمكافحة الفساد كرس للوقوف على ما تم من إحالة لعدد من الملفات بمخالفات جسيمة لجهات ومسؤولين.
وناقش الاجتماع سير إجراءات التحقيق بملف المخالفات المالية والإدارية المرتكبة بالوقائع والأدلة من قبل محافظ المهرة (جنوب شرق) السابق، راجح باكريت.
كما ناقش الاجتماع إجراءات توقيف رئيس هيئة المنطقة الحرة في عدن، حسن الحيد، وجميع المتورطين بتسهيل الاستيلاء على أراضي المنطقة، باعتبارها جرائم جسيمة بحق المال العام، بحسب موقع العربي الجديد.