حشد عسكري متعدّد الجنسيات في البحر الأحمر: ماذا وراء الأكمّة؟
حيروت – وكالات
قرّرت الولايات المتحدة إرسال طائرات مقاتلة، ومدمّرة تحمل صواريخ موجَّهة، إلى الإمارات، لمساعدتها في التصدّي لهجمات جماعة الحوثي، وفقاً لبيان صادر أمس عن البعثة الأميركية في الإمارات. وأعقب هذا الإعلانُ اتصالاً هاتفياً جرى، أوّل من أمس، بين وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بحث فيه الطرفان «مجموعة من الإجراءات التي تتّخذها وزارة الدفاع لدعم الإمارات»، بما يشمل «إرسال المدمّرة الأميركية يو أس أس كول للتعاون مع البحرية الإماراتية، قبل التوقّف في ميناء في أبو ظبي»، من دون إيضاح تاريخ تحرّك المدمّرة. كذلك، أبلغ أوستن، ابن زايد، «بقراره نشر طائرات مقاتلة من الجيل الخامس لمساعدة الإمارات في مواجهة التهديد الحالي». وتتضمّن المساعدة، أيضاً، «الاستمرار في تقديم معلومات استخبارية للإنذار المبكر، والتعاون في مجال الدفاع الجوي».
تقود الولايات المتحدة الأميركية مناورات عسكرية بحرية في البحر الأحمر، بمشاركة إسرائيل ودول عربية وآسيوية، من شأنها “تعزيز الأمن في المنطقة والشراكة الإقليمية”، وفق البيان الرسمي الصادر عن القيادة الوسطى في الجيش الأميركي. المناورة التي تقرّرت قبل أشهر، وصَفها قائد الأسطول الأميركي الخامس، براد كوبر، بأنها “دليل على التصميم المشترك على الحفاظ على النظام الدولي القائم على قواعد، فضلاً عن تعزيز قدرات المشاركين فيها”، علماً أن مساحة عمل القيادة الوسطى، تمتدّ من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، بما يشمل الخليج وأفغانستان وباكستان وما يليها، وأن إسرائيل، المشارِكة بقطَع بحرية، ضُمّت إلى تلك المنطقة، بعد اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول الخليجية.
ويهدف التدريب إلى فحص الجاهزية العسكرية، بناءً على تشخيصٍ مسبق للتهديدات، وعلى نحو يُظهر لأصحاب القرار أماكن النجاعة التي سيُعمل لاحقاً على تعزيزها، ومواضع الإخفاقات ومكامن الخلل والفشل، من أجل استخلاص العِبَر منها وتصحيحها لاحقاً. لكن هل هذا هو كلّ ما في الأمر؟ في الواقع، لا قيمة نسبياً للمناورة في ذاتها، تقنياً وعسكرياً، وهي لا تضفي أيّ جديد من الناحية العسكرية إلى جاهزية الأطراف المشارِكة فيها وقدراتها وإرادتها، خصوصاً أن غالبية المشارَكات فيها رمزية. لكنّها تكتسب أهمّيتها من كوْنها جزءاً من مشهد إقليمي أوسع، تتسارع فيه المتغيّرات التي لا تُخفي دول المحور الأميركي خشيتها منها، في مرحلة ما بعد تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط. ومن هنا، فإن التدريبات تُعدّ جزءاً لا يتجزّأ من التوجّه الأميركي الجديد في المنطقة، والذي لا يعني التراجُع الكامل عن المبادرة.
تخدم هذه المناورة (وما سيليها) مصلحة أميركا في تعزيز ردع أعدائها عن المبادرة إلى الإضرار بمصالحها ومصالح أتباعها. والمقصود هنا “العدوّ الإيراني” المشترك، وكذلك حلفاؤه، والذين تتنامى تهديداتهم إلى حدّ ملامسة القدرة على الأذيّة الاستراتيجية، سواءً على الساحتَين اللبنانية والسورية، أو داخل فلسطين المحتلّة نفسها، أو على الساحة اليمنية – الوافد الجديد إلى دائرة التهديدات -. كذلك، تريد واشنطن التأكيد أنها ثابتة على التزاماتها تجاه حلفائها، وفي المقدّمة إسرائيل، وأن اهتمامها بالصين وتهديدات أخرى بعيدة، لا يشغلها عن الاهتمام بالمنطقة و”أمنها واستقرارها”، وفقاً للتوصيفات الأميركية.
ومن ناحية إسرائيل، التي لا تترك مناسبة من دون استغلالها، فهي تأمل في أن توصل التدريبات رسالة ردع إلى أعدائها، وتحديداً في ما يتعلّق بالتهديدات البحرية، بعدما أثبتت نتائج المواجهة البحرية الأخيرة مع الجانب الإيراني، تواضُع القدرة الإسرائيلية على الذهاب بعيداً في هذا المجال، وجعلت تل أبيب معنيّة بأن تُظهّر قدرتها الذاتية، وبمعيّة الحليف الأميركي، على رعاية مصالحها البحرية وممرّاتها، خصوصاً في ظلّ تقدير إسرائيلي سائد بأن الهجمات اليمنية على الكيان العبري هي مسألة وقت ليس إلّا. وكانت إسرائيل تحدّثت، في أكثر من مناسبة، عبر خبرائها ومحلّليها العسكريين والأمنيين، عن ضرورة أن يصار إلى إيجاد قوة بحرية دولية بإشراف أميركي وأممي، يوكل إليها أمن الممرّات البحرية في منطقة الشرق الأوسط ومداخلها، مع الحرص على منْع وصول القدرات العسكرية إلى دول محدّدة فيها، كاليمن وسوريا وجهات في دول أخرى، مثل لبنان.
وفي ظلّ تضاؤل الآمال في استغلال ظاهرة التطبيع على نحو كامل لمواجهة إيران وحلفائها عسكرياً، فإن مشاركة دول في المنطقة، ومنها دول مطبّعة مع الكيان، وأخرى ليست بينها وبين إسرائيل علاقات ديبلوماسية (باكستان وبنغلادش)، إنّما تخدم اتّجاه التطبيع الذي تسعى إليه إسرائيل لذاته، وتؤكد أن “اتفاقات أبراهام” ما زالت حيّة، على رغم تراجعها النسبي قياساً بما كانت عليه في عهد الإدارة الأميركية السابقة.