“بروكينغز”: ماذا بعد انتصار الحوثيين في اليمن؟
حيروت – صحافة أجنبية
كتب الباحث الأميركي المختص بالشؤون الخليجية بروس ريدل، الذي كان يعمل سابقاً محللاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو الآن زميل باحث في “معهد بروكينغز” البحثي الأميركي ويدير “مشروع الاستخبارات” فيه، مقالة نشرت في موقع المعهد، خلص فيها إلى أن “أنصار الله” الحوثيين قد انتصروا في الحرب في اليمن. وقال فيها إنهم قد هزموا خصومهم من اليمنيين، وكذلك السعوديون الذين تدخلوا ضدهم عام 2015، وأيضاً الولايات المتحدة التي دعمت السعوديين. واعتبر أنه “إنجاز رائع لميليشيا بلا قوة جوية أو بحرية. كما أنه تشبه بشكل لافت للنظر قصة نجاح حزب الله في لبنان”.
لماذا ربحوا؟
وبعد أن قام بتعريف “الحوثيين” كحركة شيعية زيدية تتبع الإمام زيد بن الحسين بن علي، وعرض بإيجاز لتاريخ اليمن وصولاً إلى الانقلاب على الإمامة الزيدية وقيام الجمهورية وصولاً إلى حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وحروبه على “أنصار الله”، ومن ثم “الربيع العربي” الذي أقصى صالح من الحكم.
أضاف ريدل: “أصبح حزب الله، الحركة الشيعية في لبنان التي نجحت في طرد الجيش الإسرائيلي من البلاد في عام 2000، نموذجاً مبكراً ومرشداً للحوثيين. كما أن إيران مصدر آخر للدعم، خاصة وأن الحوثيين والإيرانيين لهم عدو مشترك هو السعودية”.
ورأى الكاتب أن نذر نجاح حزب الله ألقت بظلالها على الحوثيين من نواحٍ كثيرة. فكلتا المجموعتين نجحوا في وضع أنفسهم كمدافعين قوميين عن بلدهم ضد أعداء أجانب مكروهين: “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية (كلاهما مدعوم من أميركا). طرد حزب الله الإسرائيليين من لبنان بعد عقدين من الصراع،و مما أدى إلى انهيار الدولة المسيحية الصغيرة (يقصد ميليشيا العميل أنطوان لحد) التي تدعمها “إسرائيل” في جنوب البلاد. وهو الآن يهدد “إسرائيل” بعشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات من دون طيار. كان للحوثيين اليد العليا بسهولة على السعوديين في بداية تدخلهم في عام 2015، وهم الآن على استعداد للاستيلاء على آخر مدينة في الشمال، مأرب، التي يسيطر عليها عملاء الرياض اليمنيون. يهاجم الحوثيون بشكل روتيني أهدافاً داخل السعودية – والآن في أبو ظبي – بالصواريخ والطائرات من دون طيار باستخدام الخبرة الفنية من إيران وحزب الله”، بحسب زعمه.
وأشار ريدل إلى أن تكلفة الحرب على اليمنيين هائلة. فقد قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أن 377 ألف يمني قُتلوا بنهاية عام 2021، بشكل غير مباشر وليس في القتال، 70 في المائة منهم أطفال دون سن الخامسة. ويعد الحصار السعودي لليمن سبباً رئيسياً للكارثة الإنسانية من خلال حرمان البلاد من الغذاء والدواء”.
ماذا بعد؟
اعتبر الكاتب “أن معركة مأرب هي المرحلة التالية الحاسمة في الحرب. فقد حقق الحوثيون بالفعل مكاسب كبيرة أخيراً على الأرض حول مدينة الحديدة الساحلية. ويبدو أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإكمال غزو مأرب. ومن غير الواضح ما إذا كانت لدى الحوثيين طموحات خارج شمال اليمن. فالجنوب سني بشكل أساسي مع القليل من الزيديين. واستولت السعودية على أجزاء من اليمن في حرب الثلاثينيات. وقد يطمح بعض الحوثيين إلى استعادة هذه الأراضي المفقودة، لكنهم لم يطالبوا علناً بأي تغييرات في الحدود”.
وأضاف: “منذ البداية، وصفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن السلام في اليمن بأنه أولوية قصوى، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لضمان إنهاء القتال. وهي تواصل سياسة أسلافها في دعم وبيع الأسلحة للسعوديين. وفي الوقت نفسه، فإن الحوثيين ليسوا في عجلة من أمرهم لإنهاء الحرب التي انتصروا فيها بالفعل”.
وتابع: “لا توجد سياسة واحدة من المرجح أن تجلب السلام إلى اليمن. في النهاية، الأمر متروك لليمنيين وليس للأميركيين وبالتأكيد ليس السعوديين. اليمن مجتمع منقسم للغاية اليوم. من غير الواضح أنها ستكون دولة موحدة مرة أخرى. قد يكون علي عبد الله صالح اليمني الوحيد الذي حكم يمناً موحداً. وقد يكون من الحكمة أن يضع المجتمع الدولي أنظاره وأهدافه على تشجيع السلام بين أجزاء اليمن، وليس على مسألة توحيد البلاد نفسها”.
ورأى ريدل أن مكان البدء لإحلال السلام في اليمن “هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فاليمن بحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن لتوجيه جهود السلام، وليس القرار الحالي الذي ينحاز عمداً إلى المصالح السعودية. كمبدأ أول، يجب أن يدعو القرار إلى وقف فوري وكامل لجميع التدخلات الأجنبية في اليمن. وهذا يعني إنهاء الحصار السعودي والضربات الجوية داخل اليمن. ويجب وقف كل الدعم العسكري لحكومة عبد ربه منصوري هادي كلياً”.
وأضاف: “وهذا يعني أيضاً أن إيران وحلفاءها يجب أن يوقفوا دعمهم للحوثيين بما في ذلك إنهاء نقل الخبرة الفنية للطائرات بدون طيار والصواريخ. وسيتعين على مستشاري إيران وحزب الله مغادرة اليمن. لكن يجب السماح برحلات جوية تجارية بين صنعاء وطهران وكذلك بمشاريع التنمية الإيرانية بما في ذلك في ميناء الحديدة”، على حد قوله.
وقال إنه يجب توسيع آلية الأمم المتحدة الحالية للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن بشكل كبير في البعثة والموظفين لتوفير مفتشين في جميع الموانئ والمطارات اليمنية لضمان عدم ارتكاب أي انتهاكات كبيرة للقرار من قبل أي من الجانبين. ترتبط ولاية آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الحالية بقرار مجلس الأمن رقم 2216 وتنطوي فقط على تفتيش الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون مثل الحديدة.
وأضاف: “إذا لم توقف السعودية العمليات العسكرية في اليمن وترفع الحصار عنه، فيجب على الولايات المتحدة وقف جميع مبيعات الأسلحة والعقود مع المملكة. ويجب سحب جميع العسكريين الأميركيين من البلاد وكذلك جميع المتعاقدين الأميركيين، كما هو الحال في أفغانستان. وسيشمل ذلك فنيين يمسكون بأسطول القوات الجوية السعودية المكوّن من طائرات أميركية الصنع يشغّلونها ويقصفون بها اليمن”.
واعتبر الكاتب أن ذلك سيكون تأثيره فورياً ومدمراً على الجيش السعودي. فلن تكون القوات الجوية السعودية قادرة على إبقاء الطائرات في الجو، ناهيك عن آلات القتال التشغيلية. كما سيصاب الجيش السعودي والحرس الوطني بالشلل. ستكون البحرية الأقل تأثراً لأن لديها عدداً أكثر تنوعاً من المصادر لسفنها الحربية، لكنها كذلك ستكون في صعوبة.
وخلص الكاتب إلى “أن التعامل مع الحوثيين لن يكون سهلاً بعد انتهاء الحرب. فموقفهم المناهض للولايات المتحدة متجذر بعمق في أصول الحركة، وهو نتيجة القرار الأميركي السيء بغزو العراق في عام 2003. وتضاعف من خلال سبع سنوات من الدعم لحرب يقودها جار يكرهه معظم اليمنيين واتسمت بضربات جوية، وبالحصار والمجاعة الجماعية المتعمدة. لكن الضرورة الملحة هي وقف الحصار وتقديم المساعدة للشعب اليمني. ويجب أن يكون ذلك أولوية أميركا”.