“إعصار اليمن”.. رسائل في كل الاتجاهات بقلم| حنين سعيد
بقلم| حنين سعيد
قبل قرابة 5 سنوات، قالها عبد الملك الحوثي محذّراً دولة الإمارات من مغبّة الاستمرار بالمغامرة والعدوان على اليمن: “على كلّ الدّول التي تملك استثمارات كبيرة في الإمارات، ألّا تنظر بعد اليوم إليها كبلد آمن”، وهو قولٌ ترجمته القوّات المسلّحة اليمنيّة فعلاً، بعد استمرار جرائم الإمارات ومجازرها، فوجّهت ضربات قاصمة إليها، كان آخرها “إعصار يمنيّ” ثالث خلال أقلّ من شهر.
تحت مرأى أحدث الطائرات الأميركيّة والأقمار التجسسيّة ومسمعها، انطلقت صواريخ “ذو الفقار” و”طائرات صماد 3″ من بين النيران، وحلّقت عالياً، وعبرت الأجواء بمسافة أكثر من 1300 كيلومترٍ، لتدكّ أهدافاً حيوية ونوعية في دبي وأبو ظبي، وتطيح صورة الإمارات كواحةٍ آمنة للاستثمارات.
ومن دون أيّ تأخير، اجتاحت الشاطئ الخليجي موجة هلع وقلق بلغ مداها الحليف الجديد في “تل أبيب”؛ هلع من هيبة البالستيّ وحِمم المسيّرات، أصاب قلب رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ الذي شهد، مرتعداً، العرض اليمنيّ بشكل مباشر في سماء أبو ظبي، وقلق من منظومة الدفاعات التي ثبت بالدليل العمليّ عجزها وفشلها، إضافةً إلى الخوف من غرق سفينة التطبيع قبل إبحارها.
ولم تكن شركات الاستثمارات هي الخائف الأكبر، بل كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي سارعت بعض أوساطه إلى دعوة رئيسها الخائب إلى مغادرة الإمارات على الفور. وانطلاقاً من مبدأ أنّ من نفّذ تهديداته للإمارات سينفّذ تهديداته للكيان، يتصاعد منسوب القلق في “إسرائيل” مع كلِّ ضربة تتلقاها الإمارات.
وقد أكّدت ذلك عمليات “إعصار اليمن” الثلاث، وخصوصاً أنَّ كيان العدو تلقّى تهديداً مباشراً من الحوثي “بتوجيه أقصى الضربات الممكنة إلى الأماكن الحساسة فيه، في حال ثبت تورطه في أيّ عدوان ضد الشعب اليمني”.
رسائل صنعاء الاستراتيجيّة وصلت إلى حيث يجب أن تصل، قاطعةً في السياسة مسافاتٍ أبعد من تلك التي قطعتها الطائرات والمسيّرات، فعمليّة “إعصار اليمن” الثالثة، بعظمتها، كانت تشكل رعباً حقيقياً للكيان الصهيوني، وذلك باعتراف صحفه ومختلف وسائل إعلامه التي صرحت بصريح العبارة أنّ “ما يرونه اليوم في أبو ظبي ما هو إلا مقدمة لما سيحصل معهم في المستقبل، بحيث إنّ مسافة هجوم “أنصار الله” الأخير ضد أهداف في الإمارات هي المسافة نفسها تقريباً لهجوم محتمل من اليمن يستهدف إيلات (نحو 2000 كيلومتر)، ما يجعلهم ساحة تهديد إضافية محسومة بالنسبة إلى الصهاينة، مضيفين أنَّ استهداف الحوثيين للإمارات أثناء زيارة هرتسوغ لم يكن عبثياً على الإطلاق، بل إنَّ لديهم تفاصيل دقيقة عن وصوله وتحركاته دخل الإمارات”.
العملية كسرت أيضاً كل الحواجز، وحطَّمت كلّ الرهانات التي ما زالت الإمارات تراهن عليها، وأثبتت أنَّ جميع التهديدات التي تطلقها القيادة اليمنية هي تهديدات قول وفعل، فقد كانت الضربة بمثابة تأكيد لابن زايد بأنَّ التطبيع لن يقف حائلاً أمام ضربات “أنصار الله”، وأنَّ “إسرائيل” لن تستطيع حمايته، ولو كان رئيسها بائتاً بجواره.
كما أنّ دولته التي كانت بالأمس القريب ملاذاً تجاريّاً آمناً باتت غير آمنة، وستبقى كذلك ما دامت مستمرة في عدوانها وحصارها. وتوالي الضربات على منشآتها الحيويّة قادر على كسر عظام اقتصادها الزجاجيّ الهشّ بكلِّ سهولة وتكبيدها خسائر فادحة، ما سيسرّع في انهيارها، وخير دليل على ذلك الخسائر التي عصفت ببورصتها عقب الهجوم بدقائق معدودة، فهبط في دبي مؤشّر الأسهم الرّئيسي بنسبة 1.2%، إلى جانب انخفاض مؤشر بنك الإمارات (الذي يعتبر أكبر مقرض في البلاد) بنسبة 4%، مروراً بالأسهم العقاريّة التي فقدت 0.4% من قيمتها.
أمّا بالنسبة إلى خسائر أبو ظبي، فقد توزّعت بين تراجع مؤشر المدينة العالمي بنسبة 0.2%، وانخفاض أسهم أبو ظبي بالمستوى نفسه. وبذلك، تكون الإمارات اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تسارع لكفّ يدها عن العبث في اليمن، وإما يأتيها ما يقطع يدها ويد غيرها.
كذلك، إنّ العملية الهجومية فضحت للمرة الثالثة على التوالي فشل البنية الدفاعية الأميركية التي تتغنّى وتحتمي بها الإمارات (مثل منظومة “الباتريوت”). في المقابل، برهنت مدى تطوّر القدرة الصاروخية والطائرات المسيرة لدى القوات المسلحة اليمنيّة ودقتها، ما يؤكّد أنّ اليمنيين يملكون القدرة على قطع المسافات وضرب أهداف بعيدة المدى.
كلّ هذا يدلّ على أنّ مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط وقواعدها العسكريّة لن تكون بمأمن أيضاً، لكونها الراعية الرسميّة للعدوان على أهل اليمن، وباعتبار أنّ السعودية والإمارات ليسا سوى وكلاء عنها. وواهمٌ من يعتقد أنَّ استمرار المجازر سيثني القوات المسلحة عن ضرب أعماق دول العدوان، فعمليات اليمن بنسخها الثلاث جاءت لترسي معادلة جديدة مفادها: التّصعيد بالتّصعيد، والبادئ أظلم.
تأديب دول تحالف العدوان أصبح خياراً لا رجعة عنه لدى صنعاء، والحساب مفتوح لإنهاء رهانات الحسم العسكريّة وإهالة التراب على المساومات السياسية، فزمن ابتلاع الدول والهيمنة على قرارها وشعوبها انتهى.
واليوم، لم يعد هناك أمام هذه الدول سوى الجنوح إلى السلام وإطفاء نار اليمن، قبل أن تهدم عواصمها على رأس ساكنيها، فاليمني إذا قال فعل، وإذا أدّب أحسن التأديب، وإذا صفع أوجع الوكيل بحضور الأصيل، وعملية “إعصار اليمن” الثالثة، من حيث الدلالة والتوقيت، هي رسالة كان يجب أن تصل إلى الجميع، وقد وصلت.