التوصيف الخاطئ للحرب في اليمن
حيروت – صحافة عالمية
نشر موقع صحيفة “ذي ناشونال انترست” الأميركية تقريراً يتحدث فيه عن أبعاد الحرب على اليمن، ويعتبر أن التغطية الصحفية والمناقشات السياسية تميل إلى التركيز بشكل أكبر على هجمات “الحوثيين” أكثر من التركيز على الدمار الهائل في الاتجاه المعاكس؛ فيما يلي ترجمة للتقرير كاملاً:
تُعد الحرب في اليمن مثالًا فجاً على صراع محلي يُنظر إليه من خلال عدسة متحيزة ولديها أجندات ومصالح مختلفة، مما يضر كثيراً بفهم طبيعة النزاع وطرق إيجاد الحلول. وعلى الأغلب تتم مناقشة مسألة اليمن كممثل لجبهة تقودها إيران لتوسيع نفوذها، ويقاومها تحالف تقوده السعودية ويحظى بتأييد لأنه متحالف مع “إسرائيل” والولايات المتحدة. هذه الطريقة الخاطئة في النظر إلى الحرب لن تؤدي إلا إلى إطالة معاناة اليمنيين ولا يمكنها تقليل التوترات في أماكن أخرى في المنطقة.
أبعاد الحرب في اليمن محلية بشدة ولا علاقة لها بالمحاور أو المواجهات الأوسع في الشرق الأوسط. لقد دافعت حركة الحوثي،عن مصالح 35% من سكان في شمال اليمن، الذين شعروا أن عقيدتهم الدينية مهددة من قبل الدعاة السلفيين الذين تمولهم الدولة، إضافة الى التأثيرات الدينية التي تنتشر عبر الحدود من السعودية الوهابية،زائد المظالم الاقتصادية بشأن أشياء مثل دعم المواد الغذائية ومساعدات التنمية الضئيلة ،وبمجملها ساعدت على إشعال شرارة الثورة وصولاً إلى الحرب الحالية.
الاستجابة السعودية للتدخل
التدخل السعودي الواسع النطاق في الداخل اليمني منذ عام 2015، حوّل الحرب عن محليتها إلى صراع إقيلمي. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها السعوديون في البلد الجار. ففي الستينيات من القرن المنصرم دعمت الرياض الملك الزيدي، بينما كانت مصر تحت حكم جمال عبد الناصر الداعم الرئيسي الى جانب الجمهوريين. ومن الواضح أن السعوديين كانوا مدفوعين جزئياً بالرغبة في مواجهة التحديات التي تواجه الأنظمة الملكية في المنطقة العربية. وهودافع مستمر للرياض كي تعارض أي نظام في شبه الجزيرة العربية له خط مستقل وليس متحالفاً معها.
الحرب الجوية التي تخوضها المملكة العربية السعودية منذ عام 2015 صعدت الصراع وتسببت بخسائر ودمار هائلين وحولت اليمن إلى كارثة إنسانية. وهم أعلنوا مراراً عن محافظات بأكملها يعتبرونها أهدافاً عسكرية، كما أشارت “منظمة هيومن رايتس ووتش”، إلى أن السعودية تنتهك بشكل واضح قوانين الحرب في استهداف السكان المدنيين بشكل عشوائي.
ووفقاً لتقرير لـ “الأمم المتحدة” بلغ عدد الضحايا اليمنيين لأسباب مرتبطة بالحرب حوالي 377000 حتى نهاية عام 2021. وكذلك تسببت الحرب بنزوح أكثر من 4 ملايين يمني نزحوا داخلياً.
إن الأضرار والخسائر التي أحدثتها الضربات الانتقامية للحوثيين لا تصل حتى إلى مستوى قريب مما سببته الة الحرب للتحالف منموت ودمار على الضفة الأخرى. على سبيل المثال، أدى هجوم لطائرة مسيرة للحوثيين على ما يبدو في أبو ظبي في وقت سابق من هذا الشهر إلى تدمير العديد من ناقلات الوقود وقتل 3 أشخاص.
مع ذلك، تميل التغطية الصحفية والمناقشات السياسية إلى التركيز بشكل أكبر على هجمات الحوثيين أكثر من التركيز على الدمار الهائل في الاتجاه المعاكس. فما يحدث في مطار أو منشأة نفطية في المملكة العربية السعودية أو الإمارات يتم توضيحه بطريقة قصوى بمقابل أي مذبحة تقع في محافظات شمال اليمن النائية. وفي هذ الإطار يُنظر إلى الحوثيين على أنهم أشرار يخوضون صراعات على مستوى المنطقة ضد الأشخاص الطيبين المفترضين. لوحة خيالية تم اختلاقها تحت عباءة اعتياد الهوس من إيران.
الحوثيون وإيران
من منظور التحيز فإن أي شيء يفعله الحوثيون تقريباَ هو انعكاس لحركة إيرانية. هذا الرأي يتجاهل طبيعة الحرب اليمنية وما أنجزه الحوثيون بمفردهم على مدى عدة سنوات. بالطبع، الرد يستخدم الحوثيون أي عتاد متاح لهم، سواء كان مصدره إيران أم لا.
ربما كانت أكبر خطوة اتخذها الحوثيون في هذه الحرب هو السيطرة على العاصمة صنعاء ،وتردد أنهم اتخذوا هذه الخطوة على عكس نصيحة إيران، والذي ساعد الحوثيين في السيطرة على العاصمة صديق واشنطن السابق علي عبدااله صالح.
يجادل بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين حول ضرورة وضع الحوثيين على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. لكن، مثل هذه الخطوة إلى جانب كونها إساءة استخدام أخرى للقائمة المذكورة، لن تحقق شيئًا على الإطلاق، باستثناء زيادة صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها. الحوثيون منخرطون في صراع على النظام السياسي في اليمن وليس لديهم مصلحة في الإرهاب الدولي، على الأقل طالما أنه غير مرتبط بالتدخل الأجنبي في بلادهم. وإذا تمّ تفسير الهجمات الانتقامية على بلدان ضالعة بالحرب عليهم، فمن الأفضل للولايات المتحدة حينها أن تدرك كيف يمكن تطبيق مثل هذا التفسير على بعض عملياتها العسكرية السابقة.
اعترف الرئيس جو بايدن جزئياً من خلال الإعلان في وقت مبكر من إدارته بأن الولايات المتحدة لن تقدم دعماً مباشراً للحرب الجوية، على غير سياسة إدارة ترامب، لكن الدعم الاستخباراتي واللوجيستسي مستمر في الحرب السعودية على اليمن.
كذلك، أن المقاولين الأميركيين يواصلون توفير الصيانة والدعم غير المباشر للحفاظ على قدرات القوات الجوية السعودية، بما في ذلك تلك المستخدمة في الاعتداء في اليمن. فإن الحاكم السعودي محمد بن سلمان هو عرض أن يشعر أكثر غير مأهولة بالسجن في مواصلة القصف. فالرافعة المالية (126 مليار دولار) للمملكة العربية السعودية من المبيعات العسكرية الأميركية النشطة يمكن أن توفر أكثر بكثير مما يجب أن تدفع بالضغط على ولي العهد في اتجاه أن تكون سياساته أقل وحشية.