هستيريا التحالف السعودي الإماراتي.. القتل تعبيراً عن الإنكار
تحليل – نور الدين إسكندر
تستمر آلة القتل اليومية للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن في حصد الأرواح بصورةٍ هستيرية، تتفلت عند كل هزيمة ميدانية من عقال المنطق. ويخسر التحالف بالتدريج قدرته على إدارة حربٍ مقبولة، حتى لمن بقي من المدافعين عنه.
فبعد سبعة أعوام من ممارسة القتل الدامي بحق اليمنيين، لم يعد في مقدور القوى العالمية، التي دعمت العدوان وأهدافه في البداية، تحمّلُ مزيد من الجنون المتوحش والذي يُمارَس بحق اليمنيين في أنشطتهم اليومية، ليس كمقاتلين يدافعون عن بلادهم ببسالة، بل بحق شيوخ ونساء ومساجين وأطفال يلعبون فيما تبقّى من ملاعب البلاد المدمَّرة.
لقد ذهب التحالف، خلال هذه السنوات، إلى أقصى ما يمكن الذهاب إليه، فحشد الدول وجنّد المرتزقة، من الأفراد والمجموعات وجيوش الدول غير السيدة في قرارها، واشترى الولاءات القبلية، وحرّض طائفياً، وبنى الميليشيات، وفبرك الدعايات الإعلامية التي بدا كثيرٌ منها مثيراً للاشمئزاز، وكنا لنقول “السخرية والضحك”، لولا أنها تفتك بالأرواح والأجساد، وتترجم صوراً مريعة للأشلاء والبيوت والأحلام المسحوقة، والتي لم يعرف العالم مثيلاً لها تحت عدسة الكاميرات منذ مقاطع البؤس المتلفَزة بالأبيض والأسود خلال الحربين العالميتين.
واليوم، أصبح التحالف، في ممارساته، عدواً لنفسه، فها هو يدمّر آخر معالم صورة دوله كدول مقبولة بين الآخرين، لها كيانها ومؤسساتها وجيوشها ومسؤولوها. إنها حرب تنقلب من استهداف الشعب اليمني لتصبح آلة تدمير غير واعٍ لأصحابها ومُطلقيها. وهي تعبيرٌ عن جنون الدول، التي لطالما قيلَ إنها لا تجنّ. لقد أثبت العدوان على اليمن أن الدول تجنّ، ويمكن لجنونها أن يدمّرها.
ومع سيطرة جماعة أنصار الله والقوات الموالية لها على مساحات ومناطق واسعة من البلاد، لم يتبقَّ للتحالف السعودي الإماراتي سوى المجازر الجماعية، ليعبّر عن قدرته على توجيه الضربات. إنها ضربات انتقامية فقط. لا شيء غير ذلك. لا أهداف عسكرية مرجوّة يستطيع التحالف التكسُّب عليها سياسياً. ولا نتائج سياسية يمكن تحصيلها من تلال الموتى، ولا سمعة انتصار ممكنة باقية ليسعى إليها التحالف. لا شيء غير القتل لمجرد القتل، للتعبير عن الحضور. إنها نهاية المطاف للحرب. وهكذا، يستعيد القتلة سيرة أسلافهم من الدول التي جنّت حين لاحت خساراتها الكبرى في الأفق، وخصوصاً حين كانت الفوارق النظرية في مقدار القوة بينها وبين قوى المقاومة لا تنسجم مع نتائج الميدان. والحال اليوم تعبيرٌ عن مأزق الإجابة عن السؤال: كيف يمكن لهؤلاء الحفاة أن ينتصروا علينا؟ إنها وصفة الجنون الذي يعبّر عن نفسه اليوم بالقتل المجاني والعبثي غير الواعي، وغير المنتج لأيّ نتائج سياسية منتظَرة.
لقد طال اليمنيون قلب كل من الرياض وجدة وأبو ظبي ودبي، وأكبر الشركات الإماراتية والسعودية، بصورةٍ صادمة لدول العدوان، التي لم تتمكّن من استيعاب ما يحدث.
ما الحلّ، إذاً، بالنسبة إلى دول التحالف؟ المزيد من صفقات الأسلحة، والمزيد من الأموال المصفوفة أمام الدول المنتِجة للسلاح والذخائر وتقنيات الحرب وآلات القتل، والمزيد من الفبركة الإعلامية، والمزيد من المليارات التي تُنفَق على شراء الذمم والضمائر والجيوش ومواقف الدول. والنتيجة الاستراتيجية والسياسية: لا شيء.
إن استهداف السجون والملاعب الرياضية وحفلات الأعراس وبيوت الفقراء في اليمن، هو العمل الوحيد المتبقّي أمام التحالف. والخطوة التالية لا يمكن أن تكون سوى إعلان هزيمته المدوّية، والتي ستتحول من خلالها هذه الأعمالُ إلى سجلّات سوداء لن تُمحى من تاريخ المنطقة، ولا من تاريخ الإنسانية جمعاء.
أكثر من مئة غارة في ساعات معدودة تلقّتها العاصمة اليمنية، ومثلها ما يستمر في مناطق أخرى. عشرات الشهداء ارتقَوا، ومئات البيوت والبنى الأساسية دُمِّرت، من أجل التعبير عن موقف واحد، وهو أن التحالف لا يزال حياً، وقادراً على القتل. والآن، تجري عملية قَطع التواصل بين اليمن والعالم الخارجي عن طريق قصف بنى الاتصالات والإنترنت، بموازاة الحصار، براً وبحراً وجوّاً. حصارٌ افتراضيٌ ورقميّ يُطَبَّق على اليمن، الذي كان سعيداً قبل أن تستهدف أعين الجيران كرامته وسيادته.
والعنوان الكبير الذي بقي للتحالف لإعلانه، هو أن اليمن إذا كان سينتصر علينا، فإنه سينتصر مدمَّراً ومحروقاً، ليس الآن فقط، بل في مستقبله. وهذه بالضبط هي الرسالة التي تفسّر النّهم في قتل الأطفال تحديداً.